محاولة جريئة شاهدتها هذا الأسبوع بقاعة العرض في مسرح العرائس، و يقف خلف هذه المحاولة أربعة شبان من خريجي كلية الفنون الجميلة هذا العام، كل منهم اتجاها خاصا في تصميم و تنفيذ ديكور لمسرحية يمكن تنفيذها علي مسرحنا للعرائس. الديكور الأول تتلخص فكرته في أن الحقيقة الأساسية للإنسان هي في الانفصال عن الأشياء و الأوضاع و الظروف بالإضافة إلي مضمون يحتويه هذا الإنسان وهو الحرية وكتب نص هذا السيناريو الشاب سعيد الموجي ونفذه ببراعة وابتكار الفنان جمال الموجي الذي أستخدم في عرائسه مواد كثيرة مثل الأسبرين ، سلك الألومنيوم، الخيوط البلاستيك، البوص، الترتر و عين العفريت، و هذا الديكور مصمم بطريقة المسرح الأسود حيث تتحرك العرائس بتكييف الإضاءة من خلال الضوء الأسود أو الظلام. و الديكور الثاني للفنان عصمت البلك و قدم فيه 15 تصميما لأبطال مسرحية تحكي قصة علي بابا و الأربعين حرامي وقد استخدمت في هذا الديكور”قصاقيص” القماش لأنها أقرب إلي المضمون الواقعي و تحريك العرائس في هذه المسرحية يعتمد علي استخدام القفاز أي تصمم العروسة في تكوين قفاز يحركه لاعب العرائس في يده وقد نجح عصمت في إعطاء الطابع الأسطوري التاريخي لجميع شخصيات المسرحية. و الديكور الثالث للفنان إبراهيم حواس و هو لملحمة شعبية أسمها”ليمونه الحياة” و هي تحكي قصة الشاب الذي أعاد الحياة إلي حبيبته بواسطة ليمونه الحياة و تحريك العرائس في هذا الديكور لا تتم عن طريق المسرح الأسود أو القفاز بل بالعصا حيث تركب العروسة علي عصاه يحركها لاعب العرائس في جميع الاتجاهات وفق ما تتطلب الحركة داخل المشهد و قد وفق إبراهيم حواس في تصميم شخصيات المسرحية تصميما واضحا و بسيطا معتمدا في ذلك عن التكوينات المعتمدة في التشكيل المعاصر. أما الديكور الرابع فمادته الأساسية هي الموسيقي التي كتبها الموسيقي الشهير مندلسون عن حلم ليلة صيف لشكسبير و قد كتب الفنان إلهامي نجيب السيناريو من خلال هذه الموسيقي و نفذه بعرائس مبتكرة تتحرك متزامنة مع حوار موسيقي بحت بعيد عن الكلام و الشعر المسرحي التقليدي، أما عرائس هذه المسرحية فتتحرك بالماريونيت أي بواسطة عدة خيوط مثبتة بها العروسة من أسفل و ممسكا بها اللاعب من أعلا و عملية الحوار الموسيقي فكرة مبتكرة يقدمها إلهامي نجيب في مسرح العرائس لأول مرة. و أخيرا أرجو أن يستفيد مسرح العرائس بهذه النماذج الجديدة من الشباب الطموح الباحث في أغوار الفن في صمت و جدية و كفاح
منذ اكثر من اربعمائة عام و مسرحيات شكسبير تنال ما تستحقه من اهتمام و استيحاء لاعمال فنية متنوعة قام بهاعدد كبير من الفنانين في كل انحاء العالم حيث قدمت هذه الاعمال الشكسبيرية باساليب فنية و مدارس فكرية مختلفة في المسرح و السينما و التيليفزيون.من بين هذه الاعمال مسرحية” حلم ليلة صيف” التي اثارت انتباه و جذبت لب الكثير من التشكيليين و مصممي العرائس في العالم لما لها من مقومات النص العرائسي الناجح حيث قدمها ” يوجي ترنكا” الفنان التشيكوسلوفاكي مصمم العرائس علي شكل افلام مستخدما فيها الخدع السينمائية نال عنها جائزة مهرجان كان للسينما عام 1985 كما قدمت نفس هذه المسرحية في المجر باسلوب تجريدي عام 1964. عن موضوع نفس هذه المسرحية يقدم الفنان الناشئ” الهامي نجيب” في المعرض الذي اقيم بمركز الثقافة التشيكوسلوفاكي منذ مدة وجيزة محاولا بطريقة جديدة في نفس المجال. المسرحية عبارة عن نسيج من الاحلام لمجموعة قصص حب تسير احداثها في ثلاث خطوط درامية.. يقدمها عمال لا يجيدون التمثيل يشرحون بطريقة فكاهية علاقة القانون بالعاطفة حيث نشاهد” الجن بوك” احد الابطال الرئيسين في المسرحية و هو في الغابة يلهو بزهرة ليكون حصادها مشروعه عن”حام ليلة صيف” الذي نال به البكالوريوس بدرجة امتياز.الجدير بالذكر أن الفنان الشاب استخدم خلال تنفيذه للمشروع خامات غريبة و ادوات غير مالوفة في العمل التشيكي فاستعان”بهباب” الشمعة الموقدة في تشكيل اعلانات للمسرحية كما استخدم قصاصات المجلات و الاقمشة و ورق السلوفان الملون و الورق المفضض و مناديل الجاتوه. استخدم كل هذه الادوات و الامكانيات الجديدة و البسيطة في تكوين شخصيات المسرحية التي ساهمت بقدر كبير في البناء الجمالي. كذلك حاول الهامي المزج بين افكار المسرحية حسب رؤيته الفنية لها و تفسيره لروح شكسبير و التكنيك المسرحي محاولا الاحتفاظ بروح النص الاصلي باجوائه الشاعرية المرحةدون التقيد بحرفية الومان و المكان للوصول الي احسن حالات الحضور المسرحي.. لكن هل وفق الهامي في تشكيل عرائسه بالروح المصرية و استفاد من استخدام تراثنا في اغناء هذا العمل ..؟ الحقيقة.. أنه لم ينجح تماما في اختفاء الروح الشرقية ليقف علي ارضية صلبة.. منطلقا منها لخلق عمل فني ناجح بينما وفق في تشكيل أغلب عرائس المسرحية تشكيلا غريبا عن بلادنا.. كعرائس.. ليساتدر.. و ايجيوس و هيبوليتا و الملك. الشئ الطيب الذي يذكر لعمل الهامي أنه نجح في استخدام كرات البنج بونج التي اعطتنا صوتا غريبا لعروسه”هيبوليتا”.. كما نجح أيضا في حسن التعبير عن الاصوات الخاصة بعروسه”الجنية”.كذلك كانت قدرته علي استغلال الامكانيات السينمائية والاضاءة الي تصميم المناظر الثلاثة للمسرحية و هي” قاعة العرش و الغابة، و القاعة الداخلية في القصر.” أخيرا.. اجمل تحية لهذا العمل هي الامل في أن لا نكتفي بتحيته كعمل تصميمي ناجح.. لكن.. في أن يجد هذا العمل و غيره لوملائه من الفنانين الشبان مجالا و امكانيات للتنفيذ.. يشاهدها الجمهور… و يستمتع بها